الأربعاء، 10 أغسطس 2022

عمر المختار

                     عمر المختار


السيّد عُمر بن مُختار بن عُمر المنفي الهلالي الشهير (بعُمر المُختار)، المُلقب بشيخ الشهداء، وشيخ المُجاهدين، وأسد الصحراء، هو قائد أدوار السنوسية في ليبيا، وأحد أشهر المقاومين العرب والمُسلمين. ينتمي إلى بيت فرحات من قبيلة منفة الهلالية التي تنتقل في بادية برقة.
ولد المختار في 20 اغسطس 1858 من زاوية جنزور ناحية طبرق، قضاء درنة، سنجق بنغازي، إيالة طرابلس الغرب. 








كان عمر المختار رجلاً معتدل الجسم، عريض المنكبين، شعر رأسه ولحيته أبيض  وقد كان متديناً للغاية ومتمسّكاً بقوَّة بدين الإسلام، وكان مؤمناً بمبدإ الجهاد ومتحمّساً للأفكار الدينية حماساً عظيماً وصفه الجنرال غراتسياني بأنه كان حادّ الذكاء واسع الثقافة قاسي الطباع، إلا أنَّه شديد النزاهة والتواضع، فكان فقيراً لا يملك شيئاً. وقال عنه أيضاً أنه متديّن متعصّب، إلا أنه رحيمٌ عندما تكون المقدرة في يده، وشديد الولاء والإخلاص لوطنه. وقال: «ذنبه الوحيد أنه كان يكرهنا كثيراً، وفي بعض الأحيان يسلّط علينا لسانه، ويعاملنا بغلظةٍ مثل الجبليّين، كان دائماً معادياً لنا ولسياساتنا في كافة الأحوال، ولا يلين أبداً، ولا يهادن، إلا إذا كان الموضوع في صالح وطنه ليبيا، ولم يخن قيادته، فهو دائماً موضع الاحترام رغم التصرّفات التي تبدر منه في غير صالحنا

















في عام 1911 أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية، وبدأت إنزال قوَّاتها بمدينة بنغازي الساحلية شمال برقة في 19 أكتوبر الموافق الرابع من شوال عام 1329 هـ. وفي تلك الأثناء كان عمر المختار في مدينة الكفرة بقلب الصَّحراء في زيارة إلى السنوسيين، وعندما كان عائداً من هناك مرَّ بطريقه بواحة جالو،  وعلم وهو فيها بخبر نزول الإيطاليين، فعاد مسرعًا إلى زاوية القصور لتجنيد أهلها من قبيلة العبيد لمقاومة الإيطاليّين، ونجح بجمع 1,000 مقاتل معه. وأول الأمر أسَّس عمر المختار معسكراً خاصًا له في منطقة الخروبة، ثم انتقل منها إلى الرجمةحيث التحق هو والمقاتلين الذين معه بالجيش العثماني،  وأخيراً إلى بنينة جنوب مدينة بنغازي بحوالي 20 كيلومتراًوهناك انضموا إلى الكثير من المقاتلين الآخرين، وأصبح المعسكر قاعدةً لهم يخرجون منها ويغيرون باستمرارٍ على القوات الإيطالية. وقد رافق عمر المختار في هذه المرحلة من حياته الشيخ محمد الأخضر العيساوي، الذي روى أنه في خلال معركة السلاوي عام 1911، نزل المقاتلون الليبيون - بينما كانوا يحاربون الإيطاليين - إلى حقل زراعي للتخفّي فيه، وما إن وصلوه حتى بدأ الجنود الإيطاليون بإطلاق الرصاص الكثيف اتّجاه الحقل لقتلهم، وبينما هم على هذه الحال وجدوا حفرةً منخفضةً في الحقل، فأشاروا على عمر المختار بدخولها ليحتميَ من الرَّصاص، إلا أنه رفض بشدة، فدفعوه رغماً عنه وأدخلوه إليها، وظلَّ طوال المعركة يحاول الخروج منها وهم يمنعونه بالقوة.

في عام 1912 اندلعت حروب البلقان، فأجبرت الدولة العثمانية على عقد صلحٍ مع إيطاليا وقَّعته في لوزان بشهر نوفمبر، واضطرَّ نتيجةً لذلك قائد القوات العثمانية التي تقاتل الإيطاليين - عزيز بك المصري - للانسحاب إلى الأستانة،  وسحب معه العسكر العثمانيّين النظاميّين في برقة الذين بلغ عددهم نحو 400 جندي وقد أثار هذا الانسحاب - على الرغم من ضرورته وفقاً لشروط الصلح - سخط المقاتلين، فأصرُّوا على الجند العثمانيين أن يعطوهم أسلحتهم (وهو ما يناقض شروط الصلح)، فرفضوا، وعندما يئس المقاتلون أطلقوا على العثمانيين النار، فنشبت معركة سقط فيها قتلى من الطرفين، وعندما تأزَّم الوضع أُرسِلَ عمر المختار لفضّ النزاع، فلحق بالمقاتلين ونجح بإقناعهم بالعودة والتخلّي عن فكرة قتال العثمانيين.ظلَّ عمر المختار في موقع قيادة القتال ضد الطليان بكامل برقة حتى وصول أحمد الشريف السنوسي إلى درنة في شهر مايو من عام 1913 الموافق جمادى الآخرة عام 1331 هـ، فاستلم هو القيادة وظلَّ عمر المختار عوناً كبيراً له  إلا أن أحمد الشريف هاجر وترك برقة، فاستلم القيادة منه الأمير محمد إدريس السنوسي.


وحدة مدفعيَّة إيطاليَّة على حدود طرابلس الغرب.
شهدت هذه الفترة أعنف مراحل الصّراع ضد الطليان،وقد تركَّزت غارات وهجمات عمر المختار فيها على منطقة درنة. ومن أمثلة هذه الغارات معركة هامة نشبت في يوم الجمعة 16 مايو عام 1913 دامت لمدّة يومين، وانتهت بمقتل 70 جندي إيطالي وإصابة نحو 400 آخرين كما دارت في 6 أكتوبر من العام نفسه معركة بو شمال في منطقة عين مارة، وفي شهر فبراير عام 1914 معارك أم شخنب وشلظيمة والزويتينةوكان عمر المختار يتنقَّل أثناء غاراته على الطليان بين منطقتي زاوية القصور وتكنس حتى وقوعهما في أيدي الإيطاليّين بشهر سبتمبر عام 1913، حيث انتقل إلى معسكرات جبل العبيد كما كان يتواصل كثيراً مع قبائل منطقة دفنا.وفي هذه الفترة انتكست المقاومة الليبية نتيجة القحط الذي أصاب البلاد في عامي 1913 إلى 1915، ثم استيلاء الطليان على أغلب المناطق الحيوية في وسط وشمال برقة بشهر يوليو عام 1914.عندما بدأ أحمد الشريف السنوسي الإغارة على البريطانيّين في مصر عبر الحدود سنة 1915 انضمَّ إليه عمر المختار، ثم عاد لاحقاً إلى ليبيا لاستئناف معاونته لإدريس السنوسي في حربه ضد الطليان.

في مطلع صيف عام 1916 كلَّفَ إدريس السنوسي - الذي كان يستلم زمام الأمور في برقة نيابةً عن أحمد - عمر المختار بالذهاب مع خالد الحمري وإبراهيم المصراتي إلى البطنان، لمقابلة نوري باشا (نائب أحمد الشريف وممثل الحكومة العثمانية في برقة) وتنبيهه إلى وجوب إيقاف كافة هجماته على الإنكليز في مصر، بل وكان عليهم أيضاً مراقبته لضمان عدم انتهاكه تلك الأوامر. وقد أزعج هذا نوري باشا، فقرَّر الذهاب بصحبة كبار معاونيه مثل عبد الرحمن عزام إلى أجدابيا للتَّفاهم مع إدريس، بينما بقي عمر المختار مع باقي المبعوثين في معسكر البطنان بانتظار التعليمات.في أجدابيا، رفض إدريس رفضاً قاطعاً العدول عن قراره، على الرُّغم من إصرار نوري باشا الكبير، وبينما الحال هكذا وصل إلى المدينة وفدٌ من الطليان والإنكليز، فالتقوا مع إدريس في منطقة الزويتينة، وأخذوا يفاوضون على عقد السلم وإيقاف هجمات المقاومين على الإنكليز في مصر من جهة والطليان في برقة من جهةٍ أخرى. وقد مال الشيخ إدريس إلى السلم، فوافق على العرض، وكان أن وُقِّعت معاهدة الزويتينة، التي أثرت بشكل أساسي على جميع المعاهدات اللاحقة في الحرب الليبية. وكان من نتائجها رحيل نوري باشا إلى مصراتة لاستئناف المقاومة وتشتُّت معظم رجاله في أنحاء البلاد.

اضطرَّ محمد إدريس هو الآخر للهجرة إلى مصر في شهر يناير عام 1923 بعد سقوط العاصمة طرابلس في أيدي الطليان،  فعاد عمر المختار قائداً للمقاتلين في برقة. تابع عمر المختار دعوة أهالي الجبل الأخضر للقتال وتجييشهم ضدَّ الطليان، وفتح باب التطوُّع للانضمام إلى الكفاح ضدهم، وأصبحت معه لجنةٌ فيها أعيانٌ من مختلف قبائل الجبل. واتَّبع أسلوب الغارات وحرب العصابات، فكان يصطحب معه 100 إلى 300 رجل في كل غارةٍ ويهجم ثم ينسحب بسرعة، ولم يزد أبداً مجموع رجاله عن نحو 1,000 رجل، مسلَّحين ببنادق خفيفةٍ عددها لا يتعدَّى 6,000، وقد شكَّل هذا بداية الحرب الضروس بين عمر المُختار والطليان، تلك الحرب التي استمرت 22 عامًا ولم تنتهِ إلّا بأسر المختار وإعدامه. 












في صباح اليوم التالي للمحاكمة، أي الأربعاء في 16 سبتمبر 1931، اتُخذت جميع التدابير اللازمة بمركز سلوق لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران، وأُحضر 20 ألف من الأهالي وجميع المُعتقلين السياسيين خصيصًا من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم. وأُحضر المُختار مُكبَّل الأيادي وفي تمام الساعة التاسعة صباحًا سُلَّم إلى الجلّاد، وبمجرد وصوله إلى موقع المشنقة أخذت الطائرات تحلق في الفضاء فوق ساحة الإعدام على انخفاض، وبصوت مدوّي لمنع الأهالي من الاستماع إلى عمر المختار إذا تحدث إليهم أو قال كلامًا يسمعونه، لكنه لم ينبس بكلمة، وسار إلى منصة الإعدام وهو ينطق الشهادتين، وقيل عن بعض الناس الذين كان على مقربة منه انه كان يؤذن في صوت خافت آذان الصلاة عندما صعد إلى الحبل، والبعض قال أنه تمتم بالآية القرآنية:  يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ Aya-27.png (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً). وبعد دقائق كان قد عُلّق على المشنقة وفارق الحياة.


















سبق إعدام المختار أوامر شديدة الحزم بتعذيب وضرب كل من يبدي الحزن أو يظهر البكاء عند تنفيذ الحكم، فقد ضرب جربوع عبد الجليل ضربًا مبرحًا بسبب بكائه عند إعدام عمر المختار. ولكن علت أصوات الاحتجاج ولم تكبحها سياط الطليان، فصرخت فاطمة داروها العباريَّة وندبت فجيعة الوطن عندما علا المختار مشنوقًا، ووصفها الطليان «بالمرأة التي كسرت جدار الصمت». يقول الدكتور العنيزي: «لقد أرغم الطليان الأهالي والأعيان المُعتقلين في معسكرات الاعتقال والنازلين في بنغازي على حضور المحاكمة، وحضور التنفيذ وكنت أحد أولئك الذين أرغمهم الطليان على المحاكمة، ولكني وقد استبد بي الحزن شأني في ذلك شأن سائر أبناء جلدتي، لم أكن أستطيع رؤية البطل المجاهد على حبل المشنقة فمرضت، ولم يعفني الطليان من حضور التنفيذ في ذلك اليوم المشؤوم، إلا عندما تيقنوا من مرضي وعجزي عن الحضور. 












وبعد اعدام المختار حاولت إيطاليا الاستفادة من مقتل عمر المختار، فعملت على استمالة المجاهدين إليها وإقناعهم إنَّ المقاومة لا فائدة تُرجى منها بعد أن سقط الرأس المُدبّر، لكن المجاهدين أبوا واجتمعوا وانتخبوا الشيخ يوسف بورحيل المسماري قائدًا للجهاد الإسلامي ووكيلًا عامًا للجهاد. وعلى أثر هذا التنصيب كلَّف الشيخ عبد الحميد العبَّار بالرحيل نحو شرق البلاد للقيام بحث الناس على الانخراط في جيش المجاهدين وحمل السلاح لمكافحة الجيوش والجهاد في سبيل العقيدة الإسلامية والدين. ولم يكن لمقتل المختار الأثر الذي توقعه الطليان، فلم يخف عزمهم أو يتلاشى، بل ازدادوا تصميمًا على القتال وتحرير البلاد من المحتل الأجنبي، فواصلت الحكومة الإيطالية حملات الانتقام ضدهم، حتى كانت الموقعة الحاسمة عند الحدود المصريَّة قرب الأسلاك الشائكة، فاجتاز الأسلاك بعض المجاهدين وقتل منهم عدد وأُسر عدد آخر، ولم يبقى إلّا الشيوخ القادة الأربعة، وهم: عبد الحميد العبَّار ويوسف بورحيل وعصمان الشامي وحمد بوخير الله. فقُتل الأخير ويوسف بورحيل وجُرح عصمان الشامي فأخذ أسيرًا، وأما عبد الحميد العبَّار فاستطاع أن يجتاز الأسلاك الشائكة بجواده نحو مصر.[136] وبهذه النهاية انكسرت شوكة المجاهدين وتعثرت خطواتهم وأخمدت حركة الجهاد في ليبيا، واستتب الأمر لإيطاليا حتى حين، فعملت على خلق هويَّة جديدة للبلاد وحاربت الإسلام بعدة وسائل طيلة 11 عامًا، لكنها سرعان ما انشغلت بنشوب الحرب العالمية الثانية، التي خرجت منها خاسرة بعد بضع سنوات، وانسحبت كليًّا من ليبيا بتاريخ 7 أبريل عام 1943.


الصحافة المصرية في اعدام المختار













صور لوقت اعدام عمر المختار 







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بس ايه رأيك في الترند دا

احداث

استكشاف أفق تحقيق الربح عبر الإنترنت مع تطبيق Swagbucks

  في هذا المقال، سنستعرض تفصيلياً كيف يمكن لتطبيق Swagbucks أن يكون وسيلة فعّالة لتحقيق الربح عبر الإنترنت.  رابط التحميل بالاسفل 👇🏻 1. **...